الفل أحلى ولا الياسمين؟.. حينما كانت الحياة سيركًا والتمر حنة بطلته.. ذكرى رحيل نعيمة عاكف

في ذكرى رحيل الفنانة نعيمة عاكف تلك التي عاشت كأنها رقصة، ومشت على الحبل الرفيع ما بين البهجة والوجع، كانت حياتها سيركًا بكل ما في السيرك من دهشة وضجيج ومهارة وخطر.
وُلدت نعيمة عاكف بين الحبال العالية والطبول والدوران، لم تعرف بيتًا ثابتًا كانت تنتقل مع السيرك، وتنام على صوت الطبول، وتصحو على تصفيق الجمهور.
في قلب الخيمة وُلِدت نجمة
لم تأتِ إلى الدنيا في بيت يملك جدرانًا، بل وُلدت تحت خيمة، وعلى أرضٍ كلّ يومٍ تُطوى وتُفرد من جديد، في سيرك صغير في حي الناصرية بالسيدة زينب، تفتحت عيناها على دوائر الضوء، وأصوات التصفيق، وهتاف الأطفال.
كان جدّها إسماعيل عاكف أوّل من تجرّأ أن يحوّل البيت إلى “سيرك عائلي”، درّب أبناءه، وربّى نعيمة على الحبل، والأمل، والتوازن فوق المجهول.
لم تعرف طفولة كسائر الأطفال، بل عرفت حركات الأكروبات قبل الأبجديات، وعرفت التنقّل قبل الثبات.
فتاة السيرك التي وقفت بثبات في وجه الإغراء
حين دخلت عالم الكيت كات، لم تكن فقط راقصة، بل ابنة لمدرسة الاحترام والمبدأ.
رفضت أن تجالس الزبائن كما طُلب منها، وواجهت التكتلات والإقصاء، وعرضت أن تعمل دون زيادة في أجرها، مقابل ألا تتنازل عن كرامتها.
كانت تعرف أن الحياة على الحبل الرفيع تتطلّب شجاعة أكبر من البريق.
وفي لحظة ما، قالتها ببساطة مؤلمة في أحد أفلامها:“هي الدنيا إيه تسوى تكشيرة تسوى تعريفة؟”، جملة تضحك وتُبكي في الوقت نفسه.
كانت فلسفتها الخاصة تُعلّمنا فيها كيف نبتسم، لا لأننا بخير، بل لأن الحزن لا يستحق وجوهنا.
“التمر حنة” والوجع الذي لا يُرى
حين سألت، في فيلمها الأشهر: “الفل أحلى ولا الياسمين؟”، كانت ترقص، تبتسم، تغني لكن أحدًا لم يرَ الحزن العميق تحت الزينة.
كانت تخبّئ الوجع خلف خفّة الدم، والخيبة خلف الشقاوة، لم تكن بطلة فيلم فقط، بل بطلة في أن تبقى واقفة رغم كل العواصف.
وحتى حين حلّ بها المرض، ظلت تزور مساجد الأولياء بعد الإفطار في رمضان تشتاق للسكينة التي لم تعرفها حياة السيرك.
حين أُسدل الستار قبل الموعد
في السادسة والثلاثين، غادرت بهدوء وكأن العمر كله كان استعراضًا قصيرًا.
غابت نعيمة، وتركَت لنا سيرة تشبهها مزيج من خفة الدم، والكرامة، والموهبة التي لا تتكرر.
وفي كل ذكرى، نعيد السؤال الذي كانت تسأله في فيلمها، ونسأله عنها: الفل أحلى ولا الياسمين؟، لكننا نعرف، أن نعيمة عاكف كانت “التمر حنة” الحقيقي.
سلامٌ على بنت السيرك التي علّمتنا كيف نعيش بخفة، ونرحل بثبات.
سلامٌ على التي عاشت فوق الحبل، وما وقعت يومًا عن مبادئها.
سلامٌ على "التمر حنة" التي رقصت للحياة، حتى حين آلمتها.
وسيبقى السؤال، كل عام الفل أحلى ولا الياسمين؟.
لكن الإجابة عندنا جميعًا، أنتِ كنتِ الأجمل يا تمر حنة.