مخرج "منتهي الصلاحية": المراهنات الرقمية عالم خفي.. وتركنا للجمهور حق الاختيار (حوار)

ارشيفية
ارشيفية

في ظل التطور التكنولوجي السريع، أصبحت الرهانات الرقمية ظاهرة تهدد الكثير من الشباب والأسر، حيث تحولت من مجرد ألعاب إلكترونية إلى عالم خفي يحمل في طياته مخاطر كبيرة.

 ورغم انتشارها الواسع، إلا أن الكثيرين لا يدركون أبعادها الحقيقية وتأثيراتها السلبية على المجتمع.

في هذا الحوار، نقترب من كواليس مسلسل منتهي الصلاحية، الذي يسلط الضوء على هذه القضية الشائكة، من خلال رؤية إخراجية تسعى لتقديم الواقع بكل تفاصيله.

وكشف لنا المخرج تامر نادي كيف تم بناء المسلسل على بحث دقيق ورصد ميداني، ليعكس الحقيقة كما هى، دون مبالغة أو تهوين، مقدمًا للجمهور دراما تمس الواقع وتحمل رسالة توعوية هامة.. 

وإلى نص الحوار..

المسلسل يناقش قضية معاصرة مثل الرهانات الرقمية، كيف تعاملت مع هذه الفكرة إخراجيًا؟

أنا دائمًا أسعى لجعل أي شيء أعمل عليه يصل إلى أقصى درجات الواقعية، وكان هذا تحديًا كبيرًا مع هذه الفكرة، لأنني في البداية لم أكن أعرف شيئًا عن هذا العالم. 

عندما تم عرض الفكرة عليّ، اندهشت كثيرًا من أن هذا يحدث في مصر، لكن ما شجعني على خوض التجربة هو أن هذه الظاهرة ليست مقتصرة على فئة معينة، بل منتشرة في كل المستويات الاجتماعية، وخصوصًا في المناطق الشعبية.

 اكتشفت أن الموضوع ليس مجرد شيء إلكتروني صعب الفهم، بل على العكس تمامًا، في المناطق الشعبية الناس يطلقون عليه "اللعبة التي تجلب المال"، ويستخدمون مسميات مثل "مستريح اللعبة" و"الوسيط"، مما جعلني أدرك أنهم ليسوا فقط يفهمونها، بل يعملون بها بقوة.

 بعد أن بلورت الفكرة، قمت بضم عُبية للفريق، وبدأنا نعمل بحثًا ميدانيًا مكثفًا، ساعدنا فيه حسن مالك والباحث عزمي، الذين وفروا لنا فرصة مقابلة أشخاص جربوا اللعبة وواجهوا مشاكل بسببها.

 تمكنا من الوصول إلى آليات تشغيل اللعبة، ورصدنا أيضًا أحداثًا حقيقية حدثت بسببها، مما جعلنا نبني دراما قائمة على وقائع حقيقية وليست مجرد تأليف. 

استغرقنا وقتًا طويلًا في التحضير، لدرجة أننا بدأنا العمل على المشروع في شهر أغسطس، وتأخرنا لأننا لم نكن نقدم قصة حب عادية بين شخصين وأسرهم يعارضون العلاقة، بل كان الموضوع أعمق وأهم من ذلك.

هل كان لديك مرجعًا بصريًا عند تصوير مشاهد الرهانات الرقمية لتوضيح خطورتها؟

كان لدينا مرجع بصري دقيق، وراجعنا جميع تفاصيل اللعبة من حيث الآلية، والتقنية، وكيفية حساب الأرقام، والتاريخ المرتبط بها، حتى الجرافيك المسؤول عن عرض اللعبة داخل المسلسل كان له متابعة خاصة، حيث كانت المسؤولة عن ذلك متخصصة في التفاصيل التقنية.

 وفي النهاية، كان التوازن الدرامي مهمًا جدًا، لأن التشويق عنصر أساسي في أي دراما سعينا لتحقيق هذا التوازن من خلال عرض القصة بطريقة أكثر تأثيرًا.

كيف حافظت على التوازن بين التشويق الدرامي وتقديم رسالة توعوية؟

التوازن الدرامي كان مهمًا جدًا، لأن عنصر التشويق أساسي في الدراما عمومًا. لو المشاهد لم يشعر بالتشويق منذ الحلقة الأولى، يمكنه ببساطة تغيير القناة أو متابعة شيء آخر، وبالتالي قد لا يكون هناك ارتباط حقيقي بالعمل.

 كنا نعلم من البداية أنه إذا قدمنا مسلسلًا عن المراهنات فقط، خصوصًا مراهنات كرة القدم، فلن يكون جذابًا للجمهور، على سبيل المثال، أمي، المرأة التي تجلس في البيت، إذا شاهدت مسلسلًا عن المراهنات الإلكترونية، لن تهتم به، ولكن إذا كانت هناك علاقات إنسانية وقصص مشوقة، فستجدها مهتمة بمتابعته، وهذا ينطبق على شريحة كبيرة من الجمهور المصري.

 لذلك، ركزنا على بناء خطوط درامية تجعل المشاهد يرتبط بالشخصيات، مثل العلاقة بين صالح وزوجته وعائلته، وعلاقة فرح وشرقاوي، وأيضًا العلاقة بين صالح ورانيا.

 أما بالنسبة للرسالة التوعوية، فلم نقدم عملًا تعليميًا أو توجيهيًا بشكل مباشر، بل عرضنا الحقيقة كما هى، وتركنا للجمهور حرية الاختيار. عرضنا كيف يورط الشباب في المراهنات وكيف يصلون إلى مرحلة الإدمان، وأظهرنا التأثيرات السلبية المترتبة على ذلك.

هل تعتقد أن المسلسل سيغير نظرة الجمهور لهذه الظاهرة.. خاصة الشباب؟

أنا متأكد أن المسلسل سيغير نظرة الجمهور، لأن أي قضية يتم طرحها في العلن تجعل الحكومة والمجتمع ينظرون إليها بشكل مختلف، حتى أنا شخصيًا عندما سمعت عن الموضوع لأول مرة، لم أكن أعرف تفاصيله، وعندما أسأل أي شخص، يقول لي: "لا أعرف عنها شيئًا". 

هذا يعني أن من يعرفون عنها فعلاً يكونون في عالم بعيد عن الأضواء، ولكن مع عرض المسلسل، بدأ الناس يقولون: "هل هذا يحدث فعلًا في مصر؟"، وهذا في حد ذاته شيء مهم جدًا، لأنه سيجعل الأهالي ينتبهون لأولادهم: ماذا يفعلون؟ ما الألعاب التي يلعبونها على هواتفهم؟ وهذا أبسط تأثير ممكن أن يحدث، مثل أن تسأل الأم ابنها: هل سمعت عن المراهنات الإلكترونية؟.

 أما بالنسبة للشباب، فقد يبدأون في التفكير في الموضوع بشكل مختلف، لأننا وضحنا لهم الحقيقة، وأصبحوا يدركون مدى خطورتها.

وأعتقد أن التوعية لا تعني أن نقول للناس "لا تفعلوا هذا، فهذا حرام"، لأن الممنوع دائمًا مرغوب، بل الأهم أن نعرض الحقيقة كما هي ونترك الناس يستخدمون عقولهم في التمييز بين الصواب والخطأ، وهذا في رأيي أسلوب أكثر تأثيرًا.

هل استعنت بمختصين في علم النفس أو الاقتصاد أثناء العمل على المسلسل لضمان دقة طرح القضية؟

بالطبع، دائمًا في عملي أستعين بمختصين في كل المجالات التي يتناولها المشروع.

 إذا كان الموضوع نفسيًا، أستعين بأطباء نفسيين، وإذا كان طبيًا أستعين بأطباء متخصصين، وهكذا حتى إذا كان الموضوع متعلقًا بالقانون، يجب أن أتأكد من دقة التفاصيل، حتى عندما يشاهد المتخصص العمل، لا يشعر بوجود أخطاء كبيرة.

وعندما أجلس مع أصدقائي من تخصصات مختلفة، أحيانًا يقولون لي: "ما هذا؟ يضحكون علينا!"، وهذا يدفعني لأن أحرص أكثر على أن يكون كل شيء دقيقًا ومبنيًا على معلومات صحيحة والهدف هو أن يصل العمل إلى درجة تجعل المتخصص نفسه يستمتع بمشاهدته، وليس أن يشعر أنه أمام عمل سطحي أو غير واقعي.

 والحمد لله، تحقق ذلك في عدة أعمال لي، وقد كتب النقاد والمتخصصون عن العمل بشكل إيجابي.

محمد فراج قدم شخصية معقدة بين الذكاء والطمع والمخاطرة.. كيف كانت كواليس العمل معه؟

محمد فراج ممثل متميز جدًا، وهو دائمًا مركز في كل التفاصيل. دائمًا يسأل ويحرص على فهم كل شيء ليقدم الشخصية بأدق تفاصيلها، هذا يجعله دائمًا متوترًا ويريد أن يظهر كل شيء بشكل صحيح 100% هذا ظهر في أدائه في المسلسل، وقد تأثر الجمهور كثيرًا به.

وفي بعض المشاهد، بكى الجمهور معه وكتبوا عنه مقالات، مما يدل على أنه قدم شيئًا مميزًا.

كيف تعاملت مع تقديم التحولات النفسية للشخصيات، خاصة مع تصاعد إدمانهم على الرهانات؟

الممثل يكون مدركًا منذ البداية أنه سيقدم تطورًا في الشخصية، لذلك نعمل على كل مرحلة بشكل تدريجي.

 يحاول الممثل أن يوزع طاقته على كل مرحلة لكي يقدّمها بأدق تفاصيلها، الفكرة مشابهة للسلم، حيث كل مرحلة تؤدي إلى المرحلة التالية بشكل متدرج، بحيث لا يشعر المشاهد بوجود قفزات غير منطقية أو أن الأداء مبالغ فيه.

على سبيل المثال، شخصية مستر فتحي التي قدمها محمود الليثي، كانت من أكثر الشخصيات التي شهدت تطورًا واضحًا، وكذلك شخصية صالح التي كانت محورية في المسلسل، الشخصية التي قدمها عمرو القاضي.

وأيضًا كانت تتطور بشكل مهم جدًا كان من الضروري أن يكون التطور منطقيًا ومتصاعدًا ليبدو حقيقيًا.

كيف رأيت ردود أفعال الجمهور على العمل حتى الآن؟.. وهل توقعت هذا التفاعل؟

بصراحة، ردود الأفعال كانت مرضية جدًا، وأنا سعيد بها للغاية رأي الجمهور مهم، لكن رأي النقاد يكون أكثر أهمية بالنسبة لي، لأنهم من أهل الصناعة ولديهم الخبرة الكافية لتقييم العمل بشكل أعمق، النجاح الجماهيري مهم، لكن النجاح الفني له قيمة كبيرة أيضًا والحمد لله، شعرت أن العمل حقق النجاح في كلا الجانبين. 

تم نسخ الرابط