رئيس مجلس الإدارة
محمود إسماعيل
رئيس التحرير
عمرو صحصاح
رئيس مجلس الإدارة
محمود إسماعيل
رئيس التحرير
عمرو صحصاح

أسرار حكايات وحيد حامد مع "الناس اللي تحت"

عندما نكتب عن سيناريست بحجم وحيد حامد تجف الأقلام وتتراجع المفردات، فليس هناك أفصح من مفرداته وتعبيراته وحواراته التي تدرس، فهو "طائر الليل" الذي لم يكن حزيناً على الإطلاق بل كان كالصقر، يسرق الكاميرا دون أن يقف أمامها، فنادراً ما يكون اسم السيناريست أقوى من أبطال العمل ذات أنفسهم ويضيف لهم، وقليلاً ما نجد الجمهور يعرف اسم مؤلف العمل الفني، ولكن لأنه وحيد حامد، "معالي وزير" الفن، وأكبر "مسجل خطر" في الإبداع، هو الذي لم يكن أبداً "المنسي"، فهو حياً بأعماله، وسيظل دائما "الغول" بكتاباته وفنه العظيم.
ودائماً ما نجد الأستاذ يهتم دائماً بـ"كشف المستور" عن طبقة المهمشين الغلابة تحديداً، الذين ليس لهم لا حول ولا قوة في هذه الدنيا، فقط يريدون العيش بسلام، ولكن تجبرهم ظروفهم على الدخول في المشكلات والصراعات، فحتى العيش بسلام رفاهية لا يمتلكونها، وقد جسد "حامد" ذلك ببراعته المعتادة، حتى بعدما رحل اليوم عن عالمنا، اليوم، ورغم كثرة أعماله إلا أننا كان لدينا "رغبة متوحشة" لننهل من فنه أكثر وأكثر، ولنتحدث سوياً عن أبرز وأشهر "المهمشين" في فن كاتبنا الراحل، بالطبع هو لديه الكثير ولكن سنناقش منها الابرز:
بشكل عام، يرى وحيد حامد أن "المهمشين/ البسطاء/ الكادحين" يمتلكون قوة هم لا يعلمون عنها شيئاً، هم فقط يريدون أن يظلوا "نمطيين" ويسعون وراء لقمة العيش ليحصلون على الفتات، لكن دائماً ما يرسم لنا حدثاً يفجر لنا فيه القوة الكامنة داخل هؤلاء، والتي غالباً ما تكون باتحادهم سوياً، وإما أن يتغلبوا على هذه الظروف أو تتغلب عليهم

الإرهاب والكباب
"عندما يكون الإرهابي بسيطاً"، يعتبر هذا الفيلم من أهم أفلام وحيد حامد وعادل إمام وشريف عرفة، فقد تم عرضه في أمريكا، وكان هناك حلقات نقاشية حول سهولة وعمق هذا الفيلم، فبالنظر إليه نجده يتحدث عن عدة أشخاص نمطية من الطبقة المهمشة، تعيش روتين قاتل، وتعافر مع الحياة "أحمد"، مواطن "عادي" بمعنى الكلمة، حتى في أسمه، فكم من "أحمد" في مجتمعنا، وهذا له دلالة بالطبع، فأنت تخرج من الفيلم لا تتذكر اسم البطل، لأنه ببساطة يمكن أن يكون أنت أو أنا أو أي شخص من حولنا، فهو أب من الطبقة المتوسطة، نراه يشتري الخبز وزوجته تتشاجر معه بسبب "الشفاط" في المطبخ، وينتظر ليلة الخميس لقضائها مع زوجته، كلها تفاصيل صغيرة أساسية في حياة هذه الطبقة من البسطاء، أيضاً شخصية الجندي التي لعبها أشرف عبدالباقي، القروي الساذج الذي يقبل إهانات رئيسه الأعلى رتبةً الذي لا يأمره بتنظيف مكتبه من الغبار فحسب، بل يدعه أيضاً يعتني بأطفاله، وشخصية الشاب الذي سأم الحياة ويريد الانتحار التي جسدها علاء ولي الدين بخفة دم، أو ماسح الأحذية الذي يجلس على الدرج بين الطوابق ويحكي كيف احتال عليه الموظفون في المجمع واستولوا على قطعة الأرض الصغيرة التي كان يملكها؛ أو المرأة التي قُبض عليها خطأ "يسرا" باعتبارها فتاة ليل والتي ترفض أن توقّع على اعترافات خاطئة لم تدل بها، وأخيراً الشاب النوبي عنده عقدة الخواجة و"يتفذلك" كما نقول دون علم، فدائماً ما يبدأ كلامه دائماً بعبارة: "في أوروبا والدول المتقدمة …".
كان هم بطلنا المسكين أن ينقل أولاده إلى مدرسة قريبة من محل سكنه، فيذهب إلى مجمع التحرير ليجد أنها مهمة مستحيلة، بداية من السلم الذي لهث كثيراً في الصعود عليه، حتى الموظفة التي تثرثر مع صديقتها على الهاتف باستمرار وتجهز الغداء وتعامل أي شخص يريد مصلحة بازدراء وتعقيد، لتحيله في النهاية للموظف الثاني ذات اللحية الذي يصلي باستمرار حتى بعيداً عن مواقيت الصلاة، ليحيله في النهاية إلى "الأستاذ مدحت" الذي يكون ذات مرة في دورة تدريبية، ومرة أخرى يكون خارج المجمع ليقضي حاجته إذ أن دورات المياه في المجمع لا تناسب مقامه لإنه "إنف".
دائرة مفرغة من الأحداث الروتينية المملة التي يمر بها أي شخص يدخل مصلحة حكومية، المهم أنه يذهب صاحبنا الذي لا حول له ولا قوة ليبحث عن هذا الموظف في حمامات المؤسسات التي حول المجمع، حتى يفيض به الكيل ويجد نفسه ممسكاً بالسلاح وتهديد هؤلاء الموظفين فيفر أغلب الناس، ويصبح بذلك إرهابياً، متهم بزعزعة استقرار الأمن العام واحتلال مجمع التحرير، حتى عندما يسألوه عن مطالبه فيطلب شيء بسيطاً ولكنه محروماً منه هو وكل الموظفين وهو "كباب كتير وكفتة قليلة وسلطة محبشة".
وتتجلى عظمة الحوار الذي كتبه "حامد" على لسان عادل إمام البطل قائلاً "أنا زي زيكم بالظبط ... ماشي جنب الحيط راضي وقانع .. انا مش طالب غير انسانيتي مش عايز اتهان .. مش عايز اتهان في البيت ولا في شغلي ولا في الشارع .. متهيئلي دي مطالب لا يمكن اتعاقب عليها"، فهذا ملخص الفيلم بل ملخص أحلام هؤلاء.

المنسي
إن كان "الإرهاب والكباب" يعكس حياة الموظفين النمطية البسيطة بأكملها، فالقصة مع المنسي تذهب لما هو أعمق، فالموضوع هنا عن "يوسف المنسي" عامل تحويلة قطار السكك الحديد المعدم، هو ليس مهمشاً كطبقة اجتماعية فقط فحسب، بل أيضاً مكانه في أبعد نقطة بالمدينة، بعيد عن حياة الصخب ورجال الأعمال الذين لا يشعرون بوجود "المنسي" وأمثاله من الاساس، فهو يعيش على حافة الحياة، يستعين بالخيال لمواجهة واقعه الأليم، يطلق العنان له لتفريغ كبته الجنسي وحرمانه من أبسط حقوقه الآدمية، فكما يقول في الفيلم ينظر لأي أنثى يريد أن يتزوجها و(يتخيل- يحلم) إنه بالفعل تزوجها، كذلك الحال مع “أحمد أدم” الذي نلاحظ أنه يعمل في مهنة هامشية هو الأخر على الرغم من وجوده في قلب المدينة وهي مهنة "بائع الجرائد"، ولكن ميزة المنسي هي  يتمتع بفلسفة البسطاء الحالمة، التي تتخيل وتتخيل حتى تعيش، بل أن “يوسف” يرفض أن يتزوج من رئيسة زوج أخته العانس التي تكبره في السن مفضلا أن يعيش هذه الحياة خارج دائرة الملموس، وعلى الناحية الأخرى حياة البهرجة حيث المليونيرات والحفلات في حياة رجل الأعمال "أسعد ياقوت" كرم مطاوع، فالفيلم في الأساس صراع بين الكادحين المهمشين وأصحاب الملايين.
ولا تترك الدنيا المنسي ظروفه هكذا، حيث تهرب "غادة" يسرا سكرتيرة رجل الأعمال المعروف "أسعد ياقوت"، الذي كان يريد أن يبيع جسدها في صفقة مشبوهة، وتذهب لأقرب مكان من الفيلا وهو "كشك التحويلة" حيث المنسي، ليتحول  لبطل يدافع عنها، حتى في دخلة يسرا ظنها في البداية حلماً من أحلامه الذي يتخيلها باستمرار.
وبالرغم من خياله وأحلامه، إلا إنه كان يعيش مرارة الواقع ويفلسفه بدقة شديدة، فكان مزيجاً بين الحلم والكابوس، وظهر ذلك في حواره مع السكرتيرة حيث قال لها "حتى في الحلم ، بوصل عند الحته اللي بكون فيها مبسوط وأصحى"
وتتجلى عظمة الحوار في مشهدين، الأول عندما دخلت عليه يسرا ووصف لها عمله في كلمات بسيطة بها عمق:
_ إنما الحفلة شطّبت بدري ولا ايه؟
=  لا الحفلة لسّه شغّالة بس أنا اللي زهقت ومشيت
_ زهقتي؟ حلو أوي ده، حلو أوي الواحد لمّا يزهق يقدر يمشي على طول، أنا برضو زي حضرتك كده ساعات كتير أزهق بس ما أقدرش أمشي.. انا لو مشيت القطارات تخش في بعض.. أنا لو زهقت أتسجن.. عارفة، فيه ناس كتير تزهق بس ما تقدرش تمشي تموت وهي زهقانة.. أنا واحد منهم. 
أما المشهد فكان حديث رجل الأعمال عندما قال: "مشكلتك انت وأمثالك من الهاموش والهلافيت اللي بتيجي عليهم لحظات بيتصوروا إنهم حاجة، الحقد والغل اللي جواكم هو اللي بينفخكم ضد اسيادكم، لكن لأنكم جهلة، مغرورين، مش قادرين تفهموا إن طبيعة الكون نفسه، لا يمكن تديكو الفرصة ابدا انكو تفسدوا علينا حياتنا، يا جرابيع، الحقد اللي جواكم لا يمكن يغير نظام الكون".
وفي النهاية أبرز لنا وحيد حامد مثل "الإرهاب والكباب"، أن القوة في الوحدة والاحتماء وسط هذه الطبقة من البسطاء، حيث  يأمر رجل الاعمال رجاله "طلعوا المسدسات" لقتل المنسي الذي يرجع خطوتين للخلف ويحتمي بالناس وسط النهار، لينتهي الحال والمليونير يقول لهم "نزلوا المسدسات".

البريء
وكما وضع وحيد حامد معادلة الفساد السياسي بجانب الظلم والقهر الاجتماعي وغياب العدالة والرحمة ليظهروا لنا "البريء" المضحوك عليه، فيحكي لنا عن أحمد سبع الليل ذلك المجند الريفي البسيط الذي لايعرف من الحياة إلا الطيبة والصفاء والنقاء والذي تربى على قيم ومباديء وأصول تحولت إلى حالة غسيل مخ ، ولقنوه أن كل من دخل المعتقل عدو للوطن، فهو لم يدرك معنى للوطن سوى أرضه ولا يعرف أن أعداء الوطن الذي يسقيهم مر العذاب بأمر قادته، ليسوا سوى شباب مصر المتعلم الذي يطالب بحياة أفضل له ولهم.
وينتهي الفيلم بصراخ رافض للتعذيب ووابل من الرصاص صادر عن سبع الليل تجاه كل العسكريين المتواجدين في الكادر. حتى تخرج رصاصة جديدة من "برئ" جديد لتنهي حياة سبع الليل.

سوق المتعة
"أحمد أبو المحاسن" (محمود عبد العزيز) الشاب العشريني البسيط المعدم، الذي قرر أن يكون مثله مثل كل شباب طبقته، لم يحلم بالنجاح والاختلاف، فقط أراد السفر لكسب قوت يومه ويعيش "اليوم بيومه" ويتزوج ويكون له بيتاً عادياً بأقل الإمكانيات، لكن في طريق عودته تنقلب حياته راساً على عقب، فيدخل السجن ظلماً لمدة عشرون عاماً، ليخرج وهو في الأربعين من عمره بشخصية غريبة الأطوار.
حيث يفاجأ محمود عبد العزيز بشخص (فاروق الفيشاوي) يزوره بعد خروجه ويخبره انه مبعوث ليعوضه عن ظلم السجن، لأن منظومته هي التي تسببت في ذلك، ويعطيه أكثر من سبعة ملايين جنيه.
والغريب أن "أبو المحاسن" فضل أن يفعل ما تعود عليه داخل السجن، وظلت عاداته التي اكتسبها تغلب عليه ولا يستطيع التعامل إلا بها لأنها تُشعره بالأمان، وأصبحت ثقافته الجديدة التي اضحت جزءًا من تفكيره وعقله، فنجده يواجه صعوبة في التأقلم مع وضعه الجديد ولا يحب الرفاهية التي وجد نفسه فيها فلا يجافيه النوم في سرير نومه في الفندق الفاخر ويفضل عليه النوم في دورة المياه بسعادة مدهشة،ويكره البطل "أبو المحاسن" الاماكن المفتوحة والواسعة مفضلا عليها الاماكن الضيقة، ولا يقضي حاجته في دورة المياه بل في سلة المهملات، في وضع مماثل لما تعود عليه في السجن، وغيرها من التصرفات الغريبة التي تؤكد بأن السجن أصبح جزء لا يتجزأ من وعيه وتفكيره.
ثم لا يكتفي بذلك بل انه يعمل على شراء مكان معزول كعزلة السجن وجلب مأمور كان يثق في قوته بمرتب مغرٍ، ليجعل هذا سجناً مماثلاً للحقيقة فقد اعتاد على وضع ألفه طوال فترة طويلة، ولم يكن مستعداً لتغيير أولوياته وما اعتاد عليه فقد احب احمد سجنه وسجانيه ومضطهديه ولم تنفعه كل الاموال التي يملكها في الخروج من تلك الحالة.
لينتهي به الحال أنه يثور على وضعه، وعلى "المسخ" الذي تحول له، وأراد أن يفهم من وراء كل هذا، ومن الذي دمر حياته، لينتهي به الحال قاتلاً لحمدي أحمد الذي كان السبب ومقتولاً معه.

اللعب مع الكبار
"حسن بهنسي بهلول" و"علي الزهار"، شابان صديقان وأكثر من أخوة، "حسن" كنموذج للإنسان البسيط الذي أجبرته ظروف الحياة على أن يعيش حالة البطالة، فهو لا يعمل ولا يستطيع حتى الزواج من خطيبته، ويحاول أن يعيش حياته معتمدًا على قدراته وخبراته في الحياة، أما "الزهار" فكان موظف في إحدى السنترالات العمومية، ولم يطمع في سلطة أو منصب بل كان يعيش في حالة رضا تام، هو فقط حاول أن ينقذ البلد من صفقات فاسدة وشحنات مخدرات وعمليات إرهابية حيث تصنت على شخصيات هامة في الدولة وأصبح يقول لصديقه "حسن" هذه المعلومات ليبلغ بها الشرطة، ولكن حتى لا يعلم أحد هويته يقول عادل إمام إنها "حلم"، الأمر الذي لا يصدقه الضابط حسين فهمي.
ويعد مشهد قتل «على الزهار» في نهاية الفيلم، أحد أهم مشاهده، بعدما وصل إليه «على بهنسي» وضباط الأمن الوطني «معتصم الألفي»، الذي قدمه الفنان حسين فهمي، حتى أن نداء الفنان عادل إمام «على بهنسي» قائلا: «علي الزهار مات» أحد أهم العبارات التي تعبر عن قتل البراءة والحق، واستمرار الفساد والظلم.

الهلفوت
الفيلم هنا باين من عنوانه، هو يتحدث عن شخص "هلفوت"، ليس لديه قوة ولا مال، ويحتقره الناس باستمرار ويكون مصدرهم في الدعابة أو الخدمات أو الضرب، والفيلم يطرح تساول حول هل يمكن أن يتمرد الهلفوت ويصبح بلطجي ورئيس عصابة، هل لديه هذه القوة الذي تمكنه من ذلك؟.
فالهلفوت كان شيال غلبان يقوم بدوره عادل امام والبلطجى او رئيس العصابة وصلاح قابيل  يستخدم الهلفوت فى معاونته وتمريضه واحكام ملابسه لكى يكون يكون فى كامل هيئته .
الامر الذى يجعل الهلفوت يكتشف سر هذا الرجل الذى يرعب الجميع وكيف انه مريض يخفي مرضه تحت الملابس التي يساعده الهلفوت في ارتداءها .
حتى تحدث نقطة التحول ويستلم الهلفوت مبلغ لعملية من العمليات الغير مشروعة بدلاً من رئيس العصابة، وعندما يكتشف البلطجي ذلك تحدث مشاجرة تنتهى وعلى عكس توقع الجميع بقتل الهلفوت للبلطجي.

الدنيا على جناح يمامة
تدور أحداث فيلم الدنيا على جناح يمامة حول سائق تاكسي (الاسطى رضا) والذي جسد دوره محمود عبد العزيز يتورط مع إحدى زبائنه (إيمان خطاب) والذي جسدت دورها ميرفت أمين ثم يكتشف بعد ذلك إنها تملك ثروة كبير، وتبحث عن حبيبها الأول يوسف شعبان، وتنصدم بكونه اصبح مريضاً في مستشفى الامراض العقلية.
ويعرض لنا السيناريو عدم طمع "الاسطى رضا" رغم إنه لا يعرف هذه الراكبة لكنه ساعدها بالشهامة والرجولة المعتادة من هذه الطبقة، بل وليس ذلك فحسب بل لم يطمع في ملايينها بعدما عرف أنها ليس لها أهلاً أو أقارب يحمونها بل ظل معها حتى النهاية.